آراء ومقالات

بين الفكر والتفكير

السيد علي عبدالمحسن السلمان * - 27 / 4 / 2008م - 12:46 ص



لا نعدو الحقيقة عندما نقول أن الحداثة أبعد ما تكون عن المفاهيم التقليدية التي لا تعكس واقعها وإن لامست أطراف تلك المفاهيم إلا أنها لا تعبر عن كينونتها وأبعادها كواقع مسلم به ولذلك نجد هذا المفهوم ينسجم كل الانسجام مع الواقع المعاصر ويحكي مفردات تلامس آلام وآمال الأمة بزمانها وتاريخها.
وكل ما يتعامل مع الحداثة بالرفض فإننا نجده يشعر بأن هناك خطراً يهدد الموروثات الذاتية التقليديه الجيل تلو الجيل.
في عام 1988م أصدرت وزارة الإعلام السعودية بمنع كلمة حداثة كمفردة لغوية وذلك بتبديلها إلى كلمة تجديد أو تطوير عندما أجريت مقابلة مع الأمير خالد الفيصل..
وهذا ما يدللنا على أن هناك فزع وهمي الذي تعزو إليه المجموعات التقليدية والتي تنظر إلى مفهوم الحداثة كمفهوم انسلاخ من القيم والمبادئ.
ولو تصفحوا هؤلاء التاريخ القريب لوجدوا بين صفحاته ما استحدث على المحور الإداري - السياسي مثلاً، ونظراً لارتباطه بالزاوية السياسية فإنه يغض الطرف عنه ولكن إذا أشير من قريب أو من بعيد إلى الموروث الاجتماعي ونظامه أو البعد الديني فإنه غالباً ما يلاقي ردة فعل معاكسة لا تستند علي منهجية الموضوع أو فهم واضح للمحورين الديني والاجتماعي ولذلك نجد أن المفهوم الحقيقي للحداثة لا يتأتى إلا بتجديد التراث وصنعه على موازين النقد في جميع مراحله.
وهذه النظرة تسمح لنا بدراسة كاملة نتوقف عند أهم ما يفرق بين الحداثة الحقيقية والحداثة المزيفة التي تنادي بها بعض الآراء ذات التوجهات الخاصة.
يا ترى كيف نتكيف مع الأمور المعاصرة؟.
أم كيف نعيش الفكر المعاصر؟
كيف نوفق بين ما عاشه الأجداد وبين ما نعيشه نحن الآن؟
وما هي الأساليب والطرق التي نعتمد عليها لكي نفهم الفكر العالمي الحالي؟
كل هذه الأسئلة تخبر عن أن هناك نقطة تحول جذري ونقلة نوعية من خلالها نستطيع أن نعيش الحياة فكراً ومنهجاً سليماً نسير عليه كتراث أصيل وفكر عصري وهذه هي الحداثة التي ترعى وتوفق بين حضارة التاريخ وعقل العصر والإبداع ويرى بعض الكتاب أن هذا المفهوم يعني تجديد التراث ووصفه كمفهوم تقليدي على ميزان حديث خاضع للنقد مهما كانت النتائج لكي تكون النتيجة والمحصلة النهائية حداثة حقيقية فكراً وعملاً لا حداثة مزيفة ومفتعلة كما ينادي بها الأشخاص ذات التوجهات الخاصة التي تريد مصادرة هويتنا الثقافية.
وعلى ضوء انسجام الحضارة والتراث بالفكر المعاصر لتكوين مفهوم حداثي جديد تنشأ ثلاث تيارات منها:
1. التيار التراثي وهو تيار يرى ويؤمن بالتمسك بالتراث وله التوجه الخاص في طريقة تعامله وعيشه في المجتمع التقليدي.
2. التيار الحداثي الإصلاحي وهو التيار الذي يصقل الخبرات الماضية في عصر التجديد ويؤمن بالتنوير والعطاء الفكري كما يستفيد من التراث كأساس حضاري ترتكز عليه الهوية الثقافية فهو يجمع ما صلح من عمل التقليديين و المتغربين.
3. التيار الحداثي المتغرب: وهو التيار الذي يؤمن بالعولمة المطلقة في عنوان الانفتاح الفكري ويرى أن ازدهار عالمنا اليوم ما هي إلا حسنة من حسنات هذا الانفتاح مهمشين الأصول التراثية وجعلها من أهم عوائق التقدم والرقي.
والسؤال:
- أين نحن من ذلك؟ هل ننادي بالحداثة وإذا كنا ننادي مع من من التيارات سوف تنسجم مع توجهاتنا؟
- وهل يمكن تحديد هذا المفهوم بعيد عن المنظور الإسلامي؟
والجواب الحقيقي نراه واضحاُ كمفهوم عام يراه المحافظ من منظور متشدد بحيث لايناغم افكاره يرى في هذا المفهوم الخروج التام عن الدين فكراً وعملاً بدعوى الفهم الخاطئ مجنداً نفسه لمناهضة هذا التيار ويزيده تشبثاً برأيه عند ما تكون هناك بعض الهفوات التي يشنع بها..
اما التيار الآخر فهو من يرى أن الحكمة ضالة المؤمن يأخذها أنى وجدها بل هو أولى بها ولاسيما اذا كانت نسبة التباين لاتكاد تذكر ويؤمن أن الحداثه الحقه ماهي إلا وليدة الحضارات تحمل على اكتافها نفس العمق التراثي كأصل لايمكن أن تفاوض أو تساوم عليه وتجديد ابداعي يضع الهوية الثقافية من أهم أولوياتها..
وترى أن تقوييم الفكر المعاصر لاينفك عن تقييم الموروثات التقليدية برؤية متكاملة كلٌ مكمل للآخر كماُ وكيفاٌ، وهذا مايفسر أن الحداثة فكراُاصيلاُ خالداً وتفكيراٌ جديداٌ ناهضاً.