دين الوهم وثقافة الخضوع «1-2»
رائد قاسم * - 17 / 4 / 2008م - 8:00 م
الحلقة الثانية: الميتافيزيقيا والديناميكية الاجتماعية - الجزء الأول -تتداخل الخرافة بالحقيقة، والوهم بالواقع، والتخمين باليقين، لتدور الماكنة الاجتماعية في ظل سيطرة اللامعنى واللامعقول، من اجل تحقيق أهداف واستراتيجيات السلطات الحاكمة ومن يسير في ركابها، فالصراعات العقائدية والدينية والفكرية كمحنة خلق القران في العصر العباسي والجبر والتفويض في العصر الأموي وصراع المذاهب لا سيما المذهبين الجعفري والوهابي ليست سوى آثار لسلطة الوهم التي تصور الحقيقة في السراب والخلاص في الظن، ليبقى اللاعبون الكبار مسيطرين على المقدرات والثروات، بينما تستنفذ طاقات الجماهير في صراع لا نهاية له.
إن محنة خلق القران التي اشتعلت في العصر العباسي واختلاف أتباع المذاهب حولها، وانحياز السلطة العباسية للرأي القائل بان القران حادث ومعاقبة كل من يخالفها تشابه إلى حد كبير عقيدة فيلسوف مسيحي يدعى"فيلون" إذ يقول أن الكلمة حكمة الله الأبدية، ويتطابق مع جاء بهِ الإنجيل الرابع من أن المسيح هو كلمة الله أو العقل القدسي "في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله هذا كان في البدء عند الله كل شيء به كان وبغيرهِ لم يكن شيء مما كان"... وتقر كذلك عقيدة اليهود أزلية التوراة، والمسيحيين العرفانيين وأتباع الافلاطونيه الحديثة يرون بان الحكمة الإلهية هي أداة الخلق الفعالة، وتشير موسوعة قصة الحضارة إلى أن "المأمون مزج بعض عادات الملكية الشرقية بآخر الآراء الإسلامية المستمدة من الثقافة اليونانية وأصدر في عام 832 م أمراً يفرض فيه على جميع المسلمين أن يعتقدوا بأن القرآن قد خلق في وقت بعينهِ وأتبع هذا بأمر آخر يقضي بألا يعين أي قاضي في المحاكم لا يعلن قبولهُ لهذه العقيدة الجديدة وأن لا تقبل شهادة أي مسلم لا يؤمن بها، وأصدر بعد هذين القرارين قرارات أخرى مشابهة وجعل من معارضتها جريمة يعاقب مرتكبها بالإعدام."
إن في داخل المذهب الواحد حركة باتجاه الصراع في نفس الدائرة العبثية، ففي مذهب الشيعة كان هناك وما يزال صراع المرجعيات الدينية المستمر منذ عقود طويلة، ابتداء بالصراع بين الإخباريين والأصوليين وانتهاء بالصراع العقائدي والفلسفي والفقهي بين فرق التيار الأصولي السائد، وكل ذلك في محيط من الجدل الذي لا يؤدي إلى معنى ولا يصل إلى نتيجة محكمة، فأدوات الصراع وغاياته ليست سوى تخمينات لا قطع ولا حسم فيها، وليس لهذه النظريات والآراء من امتداد واقعي واثر فعلي، إذ إنها لن تؤثر في التقنيات الاجتماعية والتكنولوجيا الحيوية، وليس لها وزن في الاقتصاد واثر على السياسة ومسيرة النظام الحقوقي وتنظير التشريعات والقوانين، ولن تدخل في البني الأساسية للمجتمع، لأنها ليست سوى عقائد روحية وجدانية، بيد إن المجتمع الذي يعيش في الأوهام وتحكمه الأساطير يتخذ منها حقيقة مطلقة ويتصارع من اجلها، ليكون جل همه وغايته إقناع الطرف الآخر بها بل وإرغامه على النزول على حكمها لتتعطل الحياة وتمضي نحو الانحدار والتهاوي.
أن أصل الصراع بين الوهابيين والشيعة ليس سوى صراعا عقائديا نظريا تاريخيا على الإمامة السياسية وبعض الممارسات العقائدية والروحية، التي تحكم الفرد والمجتمع في دائرته الخاصة التي لا تتجاوزها، بيد أنهم جعلوا منها حاجزا أمام التقريب بين أتباع المذاهب، فزيارة الأضرحة والتوسل بأصحابها واتخاذ فقهاء أهل البيت أئمة والاختلافات الفقهية والعقائدية ليست سوى حلقة من حلقات الاختلاف العقائدي في دائرته العلمية والفلسفية التي ليس لها امتداد حقيقي على الإدارة المركزية وحركة النهضة والبناء، بيد إن المسلمين اتخذوا من عقائدهم وفقههم المتضارب، الذي لا يمكن لأحد أن يجزم بصحة نسقا من أنساقه منطلقا نحو بناء الحضارة وأعمار الأرض، وشرطا محوريا من شروط النهضة، وبما انه يستحيل توحيد العقائد واندماج الأصول والقواعد والأركان، فقد أدى ذلك إلى بلورة واقع لا نهاية له من التضاد والتشاحن الذي لا نهاية له، لان الاختلاف والخلاف لا نهائي لأنه سنة من سنن الكون والوجود، واستحالة اتفاق الناس ودمجهم في رؤية مركزية فقهية وعقائدية وسياسية وثقافية لتعارض ذلك مع نواميس الطبيعة.. إن هذا يعني استمرار صراع القناعات في دائرة معينة ومحيط معين، بينما يفرض تقدم الحياة وعدم ثباتها تجاوز الوجود الإنساني هذه الدائرة وانتفاء اثر هذه الصراعات على حركة الواقع، مما يحولها إلى صراعات وهمية لا حقيقة لها، سوى كونها ذات اثر نفسي وجداني على الأفراد، يشعر به الفرد في أعماق أحاسيسه ومشاعره أما في واقع الأمر فليس له تأثير فعلي، ذلك إن الوهم لا نهاية له، لذلك فان الشيعة والسنة في صراعهم العقائدي يدورون في حلقة مفرغة، لا حدود لها، لا غالب فيها ولا مغلوب، فالنصر يحتاج إلى أرضية حقيقية والوهم لا يمكن إسقاطه على الواقع وبالتالي لا يمكن إنشاء بنى تحتية تكون حجر الأساس في تشييده وبناءه.. لقد استوعب الغرب هذه الحقيقة فركن صراعاته الدينية والمذهبية والعرقية جانبا فتسارعت خطاه نحو النهوض والتقدم والتطور الشامل في مدة زمنية قصيرة..
ويمارس الشيعة شعائرهم من لطم على الصدور وتطيير وزحف، وجميعا ليس لها أصل في الشريعة، حتى قال عنها الدكتور علي شريعتي بأنها مستنسخة من إحدى المذاهب المسيحية، يقول في كتابه التشيع العلوي والتشيع الصفوي " ذهب وزير الشعائر الحسينية إلى أوروبا الشرقية وكانت تربطها بالدولة الصفوية روابط حميمة يكتنفها الغموض، واجري هناك تحقيقات ودراسات واسعة حول المراسيم الدينية والطقوس المذهبية والمحافل الاجتماعية المسيحية وأساليب إحياء ذكرى شهداء المسيحية والوسائل المتبعة في ذلك حتى أنماط الديكورات التي كانت تزين بها الكنائس في تلك المناسبات، واقتبس تلك المراسيم والطقوس وجاء بها إلى إيران، حيث استعان ببعض الملالي لإجراء بعض التعديلات عليها كي تصبح صالحة لاستخدامها في المناسبات الشيعية وبما ينسجم مع الأعراف والتقاليد الوطنية والمذهبية في إيران، مما أدى بالتالي إلى ظهور موجة جديدة من الطقوس والمراسم المذهبية ليس لها سابقة في الفولكلور الشعبي الإيراني ولا في الشعائر الدينية الإسلامية، ومن بين تلك المراسيم النعش الرمزي والضرب بالزنجيل والاقفال والتطيير واستخدام الآلات الموسيقية وأطوار جديدة في قراءة المجالس الحسينية جماعة وفرادى، وهي مظاهر مستوردة من المسيحية بحيث بوسع كل إنسان مطلع على تلك المراسيم أن يشخص كيف أن هذه ليست سوى نسخة من تلك!"
[3] ورغم ذلك فان المجتمعات الإسلامية الشيعية، التي تحكمها الأوهام وتسيطر عليها الظنون خاضت صراعات جوفاء على هذه الشعائر ما بين مؤيد للتطيير وناكرا له! ذلك أن المجتمع الذي يعيش في نسق من العزلة والانكماش وعدم القدرة على الاستفادة من معطيات الواقع ويعاني الكثير من التعقيدات والقيود العقائدية والفقهية والسيكولوجية، يضطر أن يتعايش مع عقائده ومبادئه الفلسفية والفكرية باعتباره غير قادر على تحقيق متطلبات التنمية المادية والسياسية والاجتماعية، وذلك من اجل استهلاك الطاقة الذاتية التي تضغط فطريا باتجاه استنفادها، تماما كذلك الشاب الذي لا يمكنه ممارسة الاتصال الجنسي على ارض الواقع فتنتابه الأحلام التي يفرع بواسطتها شحناته الجنسية الجسدية والنفسية، فيشعر بشيء من الراحة والسعادة، بينما هو في حقيقة أمره لم يمارس الجنس ولم يتيقن بلذته.. هنا يصبح الوهم وسيلة للتعويض وإكمال النقص، هنا يصبح التمسك بالأوهام والصراع حولها تنفيسا جماعيا وتعويضا لا واعيا للضعف والبؤس والانكسار وعدم القدرة على تحقيق الأهداف والمنجزات في هذا المجتمع أو ذاك، وهذا ما تعاني منه المجتمعات الإسلامية بشكل عام.
الشخصية الدينية شخصية طوبائية، إنها ذات غير قادرة على التفاعل الطبيعي مع محيطها الإنساني، لذلك تعمد إلى استنطاق الوهم وإسقاطه على الواقع، إنها تحاول تحويله إلى حقيقة ولكن من دون جدوى، من خلال استحداث الصراعات ما بين الأفراد والجماعات، حتى تشعر بأنها موجودة وتلعب دورا مؤثرا وفاعلا في خضم النشاط الاجتماعي... إنها تمارس ما يمكن تشبيه بالظاهرة الصوتية التي لا قيمة لها ولا وزن، ذلك إنها ذات تكبل نفسها بالقيود التي ترزح بها وتعيش من خلالها فلا يمكنها التعاطي الايجابي مع امتدادها الإنساني فتعمد إلى الاستعانة بالأوهام علها تزيل عنها الشعور بالانكسار والفراغ والسوداوية التي تعيشها..
في هذا الإطار يوهم الاجتماع الديني ذاته بكونه يعيش حالة سوية من خلال تفسير النصوص المقدسة، فعند الشيعة مثلا يروى ويعمل بحرفية حديث عن الزهراء جاء فيه " قال علي
: استأذن أعمى على فاطمة
فحجبته فقال رسول الله
لها لم حجبتيه وهو لايراك؟ فقالت
إن لم يكن يراني فاني أراه وهو يشم الريح فقال رسول الله
: أشهد انك بضعة مني"... لقد عمد من خلال هذه الرواية ونظائرها إلى حجب النساء وإقصائهن عن المشاركة في نهضة المجتمع وحركته المستمرة، وكل ذلك التزاما بظاهر هذه الرواية التي تعتبر نصا مقدسا، رغم أن العلاقة بين الجنسين في زمن النبي
كانت باتجاه إشراك المرأة في شئون المجتمع، فقد كانت تخرج إلى الحرب، وكان النبي
يستقبل النساء في المسجد النبوي وكن يصلين معه ويتلقين الدروس الدينية ويمارسن البيع والشراء وكن يكشفن عن وجوههن واكفهن، لم يلتفت الدينيين إلى اختلاف الزمان والمكان فإذا ما كانت الحقيقة واحدة لا تقبل التأويل فان تطبيقها يختلف باختلاف الزمان والمكان على الأقل، وان المعنى هو الذي يحتفظ بسرمديته، أما حرفية النص وظاهره وملابساته التاريخية ومعطياته المكانية والزمانية فلا يمكن تطبيقها بحذافيرها على مر العصور، فمثل هذا النص أن كان صحيحا سندا فمن الممكن تأويل وحمله على المعنى والهدف والغاية ألا وهي العفة وعدم النظر بسوء نية إلى الجنس الآخر، لا حمله على معناه الظاهري ألا وهو حجب المرأة وإقصائها عن شئون الحياة، وذلك بحمله على وجوب العفة باعتبارها من الأحكام اليقينية التي لا تتغير بتغير الزمان وتعاقب الأيام، كما يمكن اعتبار هذا النص بأنه من خصوصيات الزهراء نظرا لما تتمتع به من مكانة دينية واجتماعية ميزتها عن النساء الأخريات، في عصرها وما تلاه من قرون، وليس بالضرورة تطبيقه بحرفيته وجموده وتقادمه، إلا إن المجتمع الديني الذي يتمرغ في الوهم اتخذ منه مطية لتبرير نكوصه ورجعيته وتسويغ انحطاطه وتأخره فاتخذ منه حقيقة وواقعا لا بد من تطبيقه ومستوجب كل من يخالفه الجزاء والعقوبة، وبنيت بذلك كافة العادات والتقاليد والمفاهيم والآراء الفقهية والعقائدية بناء عليه.. إن إسقاط النص بظاهره على الواقع أمر غير متأتي في اغلب الأحيان، إذ انه خاضعا في جوهره لزمان ومكان آخر بعيدا عن زمان التطبيق والتنفيذ، فحمله على وجه آخر أمر لا بد منه لضمان حيويته وديمومته.
إن العقيدة الدينية تستند في ظاهرها على مصادر التشريع إلا إنها في حقيقة الأمر تستند على قواعد فلسفية نهلها المسلمون من خلال اتصالهم بالثقافات الأخرى، فعقيدة الإمامة والعصمة مثلا التي يسخر لها الشيعة مئات الأحاديث والمرويات التاريخية من كتب أخبارهم وتراث المسلمين بشكل عام ويستدلون بها على الإمامة وعصمة الأئمة ليس لها أصل نصي ثابت، حيث إن الصراع بين أهل البيت وأبناء عمومتهم من الأمويين والعباسيين كان صراعا سياسيا مرتكزا على أحقية كل طرف منهم في تقلد سدة السلطة بعد وفاة النبي
، وبالنظر إلى مثل هذه النصوص وبغض النظر عن صحة سندها وضعفها، فإنها تحتمل أوجه عدة ولا يمكن الجزم بأنها تشير إلى دلالة قطعية يقينية على إمامة أئمة أهل البيت وعصمتهم، والاستدلال على أنها مروية في كتب المذاهب الأخرى والكثير من علماءها يقرون بصحتها ساقط من وجه إنهم يستدلون بها على عقائدهم التي تخالف العقيدة الشيعية!! قرأت سابقا كتابا يحتوي على مئات النصوص الإسلامية والمسيحية واليهودية وبه يستدل المؤلف على الإمام المهدي، إلا انه بالنظر إلى محتوى هذه النصوص فإنها تشير إلى نظرية المهدوية، أي الإنسان المنقذ المخلص، ولا تشير إلى الإمام المهدي محمد بن الحسن شخصا وذاتا، ومن منطلق الإيمان بالمهدوية كطموح بشري وعقيدة دينية انقسم أتباع الأديان السماوية إلى أربعة أراء، فالمسيحيون يقولون بعودة المسيح، واليهود أيضا يؤمنون بالمسيح المنتظر الذي سيجعلهم سادة الأرض وخلفاء الله وظله على الأرض! والسنة يقولون بان المهدي سيولد وسيجعل المسلمين سادة وقادة أعزاء وسيذل أعدائهم! والشيعة يقولون بأنه هو إمامهم المعصوم الإمام الثاني عشر وهو محمد بن الحسن العسكري، الذي سيرث الأرض وينصر المؤمنين!... إن معظم الروايات التي تدل على هذه العقيدة أو تلك يمكن حملها على أكثر من معنى ووجه وليس بالضرورة حملها لمعنى مركزيا مطلقا، وفي هذا المضمار فقد وضعت الكثير من النصوص الكاذبة لتدعيم الكثير من العقائد والمعتقدات، ورغم جهود الغربلة والتحقيق إلا انه لا يمكن تخليص كتب النصوص منها نهائيا، مما يعني إسقاطه ما لعق بالتراث منها على الآراء الفقهية والعقائدية للمسلمين، الأمر الذي ساهم في بلورة الواقع الكارثي للأمة.
أن مثل هذه العقائد «كالإمامة» «والعصمة» مبنية على أصول فلسفية، وبالنظر إلى احتياجها إلى النصوص فانه قد سخر النص القابل للطمس والتأويل لصالح تدعيم نظرية مطلقة في ظاهرها ومتأرجحة في حقيقتها وجوهرها، فها هو ابن العربي يقول بنظرية الإنسان الكامل الذي يعتبره أول موجود، ومن نوره وجدت المخلوقات، وانه الجامع للأسماء والصفات الإلهية، والحقائق الكونية، وأنه روح العالم، به بقاؤه، وأنه برزخ، وله الوساطة بين الحق والخلق، يقول ابن عربي في كتاب الفكوك " أن الإنسان الكامل الحقيقي هو البرزخ بين الوجوب والإمكان والمرآة الجامعة بين الصفات والقدم وأحكامه وبين صفات الحدثان وهو الواسطة بين الحق والخلق وبه ومن مرتبته يصل فيض الحق والمدد الذي هو سبب بقائه ما سوي الحق إلي العالم كله علوا وسفلا ولولاه من حيث برزخيته التي تغاير الطرفين لم يقبل شيء من العالم المدد الإلهي الوحداني لعدم المناسبة والارتباط ولم يصل إليه."
ويؤمن أفلاطون بان السلطة يجب أن تكون للفلاسفة والحكماء فقط، يقول في جمهوريته " يجب أن يكون الفيلسوف ملكا.. أو الملك فيلسوفا.. أو فليكن لدى الحاكم القوي فيلسوف يهديه ويرشده.."
وتتطابق فلسفة أفلاطون بالعقيدة الشيعية تماما! حيث يؤمن الشيعة بان سر المأساة التي تعانيها الأمة تكمن في تحييد أئمة أهل البيت عن السلطة، وان المصائب والنوائب التي لحقت بالمسلمين تعود إلى تهميش دورهم، ويؤمنون بان خلاص العالم سوف يكون على يد آخر الأئمة ألا وهو الإمام الثاني عشر، يقول أفلاطون في «الجمهورية» " والى أن يجيء ذلك الوقت الذي يصبح فيه الفلاسفة ملوكا ويصبح ملوك هذا العالم وأمراؤه فلاسفة فان المدن سوف لا تفيق من ألامها وشرورها وكذلك الجنس البشري"
إن نظرية الإمامة التي يستدل بها الشيعة لا تستند على يقين فنصوصها محتملة التفسير على أكثر من وجه فلا يصح الاستلال بها، سواء في القران أو الحديث ومبانيها الفلسفية مبنية على الفلسفة التي لا يمكن أيضا الجزم بها، نظرا لنسبيتها واحتمل تناقضها مع الواقع المكاني وألزماني واستحالة تطبيقها وجمودها في بعض الأحيان وكثيرها.
إن الحقيقة ثابتة ومطلقة، متماسكة وجامدة لا يعتريها النقصان أو الزيادة، كشروق الشمس وتتابع الليل والنهار وظهور القمر في الليل وتعاقب الفصول الأربعة والحياة والموت، وفي الدين فان هناك بعض المسلمات التي لا يختلف فيها أتباع الدين الواحد وتعتبر من الواجبات والمحرمات المعروفة بالبداهة كحرمة الزنا ووجوب الصلاة، بينما يطرأ على النظرية التغير والتطور والارتقاء، فأفلاطون مثلا تنازل عن الكثير من آراءه التي أوردها في «الجمهورية» في كتابه " القوانين" وكذا في بعض النظريات الاقتصادية والفلسفية الماركسية والرأسمالية، ذلك إنها نظريات، والنظرية تتمدد وتنكمش وتتفاعل في محيطها الحي، غير ثابتة سوى في أهدافها ومقاصدها، من هذا الباب فان الإمامة ليست سوى نظرية لا يمكن الجزم بحقيقتها، وقد تعرضت لما تعرضت له كافة النظريات السياسية والفلسفية، فقد أصاب نظرية الإمامة الانقسام ما بين أتباع فرقه الشيعة الجعفرية الذين آمنوا بأثنى عشر إماما والإسماعيلية التي آمنت بسبعة أئمة والزيدية التي آمنت بخمسة أئمة.... عند الفرقة الاثنى عشرية «وهي أغلبية الطائفة الشيعية» عندما توقفت الإمامة العمودية بوفاة الإمام الحسن العسكري تراجعت النظرية وتضاءل أمر الشيعة لافتقادهم القيادة السياسية والدينية المركزية حتى توصل الفقهاء لنظرية النيابة عن الإمام المعصوم، المنبثقة عن نظرية الغيبة، المنبثقة بدورها عن المهدوية، وقد اختلف الفقهاء حول نظرية النيابة، إذ انقسموا إلى مؤيد ومعارض، حتى سادت وتأصلت، فانبثقت عنها نظرية ولاية ألفقيه، التي انقسمت إلى حسبية وكلية، وانقسم القائلين بالكلية إلى فريقين، الأول يقول بولاية الفقيه الواحد والثاني يقول بسيادة الفقهاء من خلال مجلس قيادي وهو ما يعبر عنها بنظرية ولاية الفقهاء.. إن الحقيقة لا يمكن أن تتجزأ، بينما النظرية التي لا تسند غالبا على واقع ملموس وحقيقة ثابتة مطلقة تتجزأ وتتبدل وهذا ما حدث بالضبط لنظرية الإمامة المعصومة..
... يتبع إن شاء الله،،
[1] التشيع ألصفوي والتشيع العلوي ص 256.
[2] نفس المصدر ص257.
[3] المصدر نفسه ص 258.