الاستغفار:
: (وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ)(21) وقوله جل وعلا: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً)(22) فالاستغفار له آثار غريبة عجيبة توضحها الآيتان الكريمتان من فتح السماء بدر الخيرات على الإنسان وإيتائه القوة ورزقه بالأموال والبنين، هذه كلها آثار الاستغفار والتوبة من الذنب.
أما ما يتعلق بقيادة المجتمع فالقرآن الكريم يؤكد على جملة أمور يجب توفرها في القائد منها:
1 ـ معرفة الإسلام وكيفية تطبيق أحكامه
من شروط القيادة في الإسلام هو معرفة الإسلام بالمفهوم الدقيق للكلمة واستيعاب أصوله ومبادئه وأحكامه في المجالات الفقهية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية المختلفة كما في قوله تعالى: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَْرْضِ أَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الأُْمُورِ)(23) فالاستخلاف في الأرض نتيجة الإيمان بالله والعمل الصالح وإقامة دينه على وجه التمام ويترتب عليه من وراء الاستخلاف- ما ذكر في الآية من التمكين وتبديل الخوف بالأمن(24) وهذا ما يؤكد أن الحاكم يجب أن يحيط بالإسلام إحاطة تطبيق كمنهج في الحياة وأسلوب في السياسة مع التمكن من أدق تفاصيل أحكامه.
2 ـ العدالة
العدل في (اللغة) هو القصد في الامور وهو خلاف الجور، وقيل العدل ما قام في النفوس انه مستقيم وهو ضد الجور(25) وخير من عرف العدل هو الإمام علي عليه السلام عندما سئل ما هو العدل فقالالعدل وضع الأمور مواضعها)(26) فالعدل هو سمة ذاتية تنبع من داخل الحاكم وتمتزج مع نمط تفكيره وذوقه العام.
والسياسة العادلة هي الأفعال التي يكون فيها الناس المحكومون أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد(27) ولا يتحقق العدل إلا بالحكم الإلهي القائم على الجزم واليقين كي يتمكن من وضع الأمور في مواضعها دون أن يظلم احد.وبذلك يرتقي الحاكم العادل منزلة الأفضلية بين عباد الله، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انه قال: (عدل ساعة خير من عبادة سبعين سنة،قيام ليلها وصيام نهارها)(28)
وذلك لأن الله سبحانه وتعالى يأمر بالعدل وينهى عن الظلم (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِْحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ)(29) ، وعدالة الحاكم لها اثر واضح في صلاح المجتمع وإنصاف المستضعفين لان قلوب الرعية خزائن راعيها كما جاء عن أمير الحق علي بن أبي طالب عليه السلام: (قلوب الرعية خزائن راعيها، فما أودعها من عدل أو جور وجده)(30) فان صلحت الرعاة صلحت الرعية ونزلت البركات على الأمة،عن الإمام الصادق عليه السلام: (الناس يستغنون إذا عُدِل وتُنزِل السماء رزقها وتخرج الأرض بركتها بإذن الله تعالى)(31) وبخلافه ارتفعت البركة من الأمة وعاشت مأساة الفقر والفساد والتخلف وتفشي الظلم، فعن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم انه قال: (إذا حكموا بغير عدل ارتفعت البركات).(32)
الرحمة واللين:
من الأمور التي تجعل الحاكم مؤثرا في رعيته هو أن يكون رحيما بهم عطوفا عليهم وألا يكون جافا قاسيا بالأمة، : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ)(33) فالقائد إذا أراد أن ينجح في قيادته يجب أن يكون أبا رحيما برعيته لأنهم سر نجاحه فان تمكن من استمالة قلوبهم كسبهم في تحقيق أفضل النتائج المطلوبة من قيادته.
هذه الصفات وغيرها هي من أهم الصفات التي يؤكد القرآن الكريم على توفرها في الحاكم ليتمكن من إحداث التغيير وتوجيه المجتمع نحو الصلاح.
فلو اجتمعت شروط القيادة آنفة الذكر في قائد يربي أهل مملكته بتلك الأمور التي تبينت في صدر الحديث لأمكن الحصول على مجتمع مثالي متكامل ينعدم فيه كل ما يعكر صفاء عيشه وسير حياته الطبيعية لما بين الحاكم والمحكوم من تأثير وتأثر.
فهل هذه الصفات التي ذكرت في القائد متوفرة في شخص الإمام المهدي؟ وهل يحقق العدل والترف الاجتماعي بين رعيته بالفعل دون العامل الاعجازي؟
الإمام المهدي هو قائد الدولة العالمية الكبرى المنتظر إقامتها على يده المباركة وهو الجامع لشروط القيادة بكلها لا بجزئها لما يمتلكه من العلم اليقيني الذي يمكنه إقامة العدل والحكم بين الرعية بعلمه الواقعي وبغير بينة دون أن يظلم أحدا في دولته المباركة فضلا عن تطبيقه لتعاليم الإسلام حتى يظن البعض انه سيأتي بدين جديد وهو ليس بجديد ولكنهم لم يعرفوا الإسلام كما أنزل، والأحاديث الواردة في هذا الجانب كثيرة التي تبين عدله وتطبيقه لتعاليم الإسلام وعطفه على الرعية منها:
عن الصادق عليه السلام قالإذا قام القائم حكم بالعدل، وارتفع في أيامه الجور، وأمنت به السبل وأخرجت الأرض بركاتها، ورد كل حق إلى أهله ولم يبق أهل دين حتى يظهروا الإسلام ويعرفوا بالإيمان، أما سمعت الله سبحانه يقول: (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالأَْرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ)، وحكم بين الناس بحكم داود عليه السلام وحكم محمد صلى الله عليه وآله وسلم فحينئذ تظهر الأرض كنوزها وتبدي بركاتها ولا يجد الرجل منكم موضعا لصدقته ولا بره لشمول الغنى جميع المؤمنين)(34) وعن الرضا عليه السلام انه قال: (..فلا يترك عبدا مسلما إلا اشتراه وأعتقه ولا غارما إلا قضى دينه،ولا مظلمة لأحد من الناس إلا ردها ولا يُقتل منهم عبد إلا أدى ثمنه دية مسلمة إلى أهله، ولا يُقتل قتيل إلا قضى عنه ديته وألحق عياله في العطاء حتى يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا وعدوانا...).(35)
أما من ناحية تمكنه من تغيير المجتمع دون العامل الاعجازي فهو يحقق ذلك من خلال تربية الأمة وتهيئتها بالصورة التي تجعلها حالة مثالية متكاملة دون العامل الاعجازي- وله وسائله الخاصة في تلك التربية وكيفية إنجاحها- وإن حاول البعض الإشارة إلى ذلك من خلال الروايات والتي منها ما جاء عن الإمام الباقر عليه السلام انه قال: (إذا قام قائمنا وضع يده على رؤوس العباد،فجمع بها عقولهم وكملت بها أحلامهم)(36) ويمكن التوسع في الحديث واعتباره كناية عن بعض الأمور التي يقوم بها الإمام وليس فقط على نحو الإعجاز، فربما المراد من تمرير يده الشريفة على رؤوس العباد هو كناية عن تربية القائم للأمة، وعبّر بالرؤوس باعتبارها وعاء العقول والفكر باعتقاد الناس،ووضع اليد عليها كناية عن السيطرة عليها بالإقناع والتربية،والمراد من تكامل الأحلام هو ارتفاع مستوى نضج العقول والتفكير السليم مما يؤدي إلى العدالة الفردية ومن ثم وصول المجتمع إلى حالة التكامل الفكري والحضاري والوعي العالي في دولة الإمام المهدي عليه السلام.
والخلاصة إن وضع يد الإمام على رؤوس العباد لا يراد به الإعجاز أو الاستيلاء بمعنى الملك والسيطرة فقط لان ذلك بمجرده لا ينتج مجتمعاً متكاملاً، وإنما الذي ينتجه هو التربية والإعلاء للعقول والأفكار والعواطف(37) وهذه التربية لا يمكن أن تجنى ثمارها دون أن يكون المربي على مستوى عالٍ من الرقي والتسامي العلمي والأخلاقي وصاحب دراية كاملة بواقع مجتمعه وطبيعة ظروفه وكيفية التأثير فيه وهذا لا يتم إلا على يد قائد عادل عارف بأحكام الإسلام كما أنزلها الله سبحانه وتعالى من آل محمد وهو بقية الله في الأرض الحجة بن الحسن عليه السلام يخلص الأمة من مآسيها وينتشلها من ضياعها ويوصلها إلى قمة السعادة والنعيم.
الهوامش
--------------------------------------------------------------------------------
(1) بحار الأنوار للمجلسي /مج57/45.
(2) نهج البلاغة تعليق صبحي الصالح كتاب 31ص514.
(3) نهج البلاغة،تحقيق محمد عبدة،2/69.
(4) نهج البلاغة تعيق صبحي الصالح خطبة 166، ص297.
(5) بحار الأنوار للمجلسي/ مج13، 182.
(6) الرعد: 11.
(7) الكافي للكليني/2/453/2.
(
الأعراف: 96.
(9) الحجرات:14.
(10) الفصول المهمة في تأليف الأمة للسيد شرف الدين/13.
(11) شرح احقاق الحق للسيد المرعشي-29/44.
(12) غاية المرام:هاشم البحراني-4/6.
(13) كفاية الأثر للخزاز القمي/110.
(14) المنتخب من الصحاح الستة- محمد حياة الانصاري/16.
(15) آل عمران:104.
(16) التوبة:71.
(17) المائدة:78،79.
(18) الأمالي للصدوق،354.
(19) تهذيب الأحكام،16/22881.
(20) الكافي،5/56/1.
(21) هود:52.
(22) نوح:10، 12.
(23) الحج: 41.
(24) مفاهيم القرآن لجعفر السبحاني،62.
(25) سياسة الأنبياء للسيد نذير يحيى الحسيني،24.
(26) نهج البلاغة،حكمة437.
(27) سياسة الأنبياء،24.
(28) مشكاة الانوار،544.
(29) النحل:90.
(30) غرر الحكم،2/508/3464.
(31) الكافي،3/568/6.
(32) معدن الجواهر،73.
(33) آل عمران:159.
(34) ترجمة الإمام المهدي في أعيان الشيعة،تقديم وتحقيق مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي،235.
(35) نفسه،230.
(36) منتخب الأثر،483.
(37) ظ/المهدي المنتظر وأحداث الظهور،410-415.
http://www.m-mahdi.com/forum/index.phpمنقول