* المتمهدي السعودي.
هو محمد بن عبد الله القحطاني، أحد تلامذة الشيخ عبد العزيز بن باز، إدعى المهدوية في عام 1400 هـ الموافق 20 تشرين الثاني 1979 م، وقد احتل مكة المكرمة هو وأصحابه، تمت مبايعته فيها على أنه المنتظر، وقد تمت محاصرته وقتله من قبل الحكومة السعودية في قصة وحادثة مشهورة ومعروفة، على كل حال ما يهمنا هنا هو كيف بدأت القصة وكيف سولت له نفسه ادعاء المهدوية، بدأت الفتنة عندما أتى جهيمان (وهو صهر محمد بن عبد الله) ثلاثة رجال من دول شمال إفريقيا وهم يحملون فكر التكفير، وكان جهيمان مستاءً من بعض الأمور التي بالدولة ويقال إن احدها دخول التلفزيون إلى السعودية، فاستطاعوا إن يلقوا الشبهة في قلب جهيمان، وعندما علم جهيمان بخبر القحطاني رتب كل شيء من الرجال والأسلحة والطلبة لكي يبايعه في مكة وأمام الناس، وكان هذا الأخير متردداً، ولكن وهو في الطريق إلى مكة ذهب إلى قرية لكي يستريح بها هو ومن معه وبينما هو ذاهب إلى البئر لكي يأتي لأصحابه بالماء، فإذا بامرأة عجوز واقفة تنظر إليه نظرة التفحص، وقالت له: أأنت محمد بن عبد الله؟ قال: نعم يا أماه، هل من حاجة؟ قالت: والله إني رأيتك في المنام إنك أنت الذي في مكة تحرر الناس وأنت المهدي المنتظر!!. ويمكن أن يكون هذا من تدبير جهيمان أيضاً!!
ففكر القحطاني في نفسه قائلا: منطقة أول مرة آتيها وامرأة عجوز لم أرها في حياتي تعرفني وتعرف اسمي وتقول لي أنت المهدي المنتظر؟؟.
بعد ذلك ساير أصحابه على انه هو المنتظر، وقاموا بالتحصن في الحرم المكي من أجل إعلان ظهور المهدي، ثم قتل محمد بن عبد الله القحطاني وتم اعتقال جميع أتباعه من قبل السلطات السعودية.
* الحسين بن منصور الحلاج.
<لما أراد الله تعالى أن يكشف أمر الحلاج ويظهر فضيحته ويخزيه وقع له (أي اعتقد) أن أبا سهل إسماعيل بن علي النوبختيj ممن تجوز عليه مخرقته (أي ممن تنطلي عليه أكذوبته) فوجه إليه يستدعيه وظن أن أبا سهل كغيره من الضعفاء في هذا الأمر بفرط جهله وقدر (أي ظن) أن يستجره إليه فيتمخرق به ويتسوف بانقياده على غيره (أي ظن أن يجره إليه من الحيلة والبهرجه على الضعفة لقدر (أي لمكانة) أبي سهل في أنفس الناس ومحله من العلم والأدب أيضا عندهم ويقول له في مراسلته إياه إني وكيل صاحب الزمان عليه السلام وبهذا أولاً كان يستجر الجهال ثم يعلو منه إلى غيره، وقد أمرت بمراسلتك وإظهار ما تريده من النصرة لك لتقوى نفسك ولا يرتاب بهذا الأمر.
فأرسل إليه أبو سهل، يقول له: (واني أسالك أمرا يخفُّ مثله عليك في جنب ما ظهر على يديك من الدلائل والبراهين وهو إني رجل أحب الجواري واصبو إليهن والشيب يبعدني عنهن واحتاج أن أخضبه في كل جمعه وأتحمل منه مشقة شديدة لأستر عنهن ذلك، وإلا انكشف أمري عندهن فصار القرب بعداً والوصال هجراً وأريد إن تغنيني عن الخضاب وتكفيني مؤونته وتجعل لحيتي سوداء فاني طوع يديك وصائر إليك وقائل بقولك وداع إلى مذهبك مع ما لي في ذلك من البصيرة ولك من المعونة).فلما سمع ذلك الحلاج من قوله وجوابه علم انه أخطأ في مراسلته وجهل في الخروج إليه بمذهبه وأمسك عنه ولم يرد إليه جواباً ولم يرسل إليه رسولاً، وصيره أبو سهلj أحدوثة وضحكة ويطنز به عند كل احد، وشهر أمره عند الصغير والكبير وكان هذا الفعل سببا لكشف أمره وتنفير الجماعة عنه.من خلال هاتين القصتين نستطيع إن نشير بصورة دقيقة إلى أمر مهم جداً، وهو أن الذي يلعب دورا كبيرا في الإنحراف العقائدي، هو وسوسة الشيطان لعنه الله للإنسان وضعف الإرادة مما يجعله غير قادر على تمييز الخطأ من الصواب، فتصرعه نفسه الأمارة بالسوء، ويصبح أسير الأوهام والمغريات، وإلا كيف له أن يقنع نفسه بأنه المنتظر مع علمه الحقيقي بأنه غير ما يدعي، فإذا كان يستطيع إن يقنع الآخرين بأنه المنتظر من خلال بعض الرياضات أو بعض الأعمال النفسية الشاقة التي توهم العامة، فمن أين يتأتى له إقناع نفسه، بأنه المنتظر إن لم يكن فاقداً للسيطرة عليها بشكل أو بآخر، أما بالوسوسة أو بالتوهم والخيال إضافة إلى العوامل الاجتماعية والإقتصادية الأخرى.بعد هذا ومن خلال النظر في التاريخ ومجريات الأمور والأحداث في هذا المجال نستطيع أن نحدد عدة دوافع رئيسية واضحة وجلية للإنحراف العقائدي عن القضية المهدوية (وهي جواب السؤال الذي ذكرناه آنفا):
1 ـ الأهواء والرغبات النفسية والشخصية لدى البعض ممن يدعي المهدوية، فالإدعاء يحصل لتحقيق بعض الأهداف الدنيوية البحته، فيوهم المدعي للمهدوية بعض العامة ممن لا دين لهم بأنه هو المهدي وانه هو المنتظر الموعود، فيسيرون خلفه فيوردهم موارد الهلكة.
2 ـ حب التسلط والوصول إلى الحكم من قبل بعض المدعين للمهدوية، فيستغلون القضية المهدوية للوصول إلى أهدافهم السلطوية من خلال استغلال عواطف العامة وحبهم وارتباطهم بالمهدي الموعود، فيظهر هذا البعض التدين والإيمان والتقوى ويجذب الآخرين إليه فيعدهم ويمنيهم فيطيعونه دونما تردد لما يرون من ظاهر إيمان وتنسك، ولكن ما أن يصل إلى السلطة وتستقر له الأمور حتى يبدأ بالبطش بأتباعه وبكل من يقف أمامه، وقد سرد لنا التاريخ ما قام به العباسيون من استغلال لهذه القضية لكي يصلوا إلى الحكم، فقد قام المنصور العباسي بادعاء المهدوية لابنه، ولكن ما إن وصل العباسيون للسلطة حتى جعلوها ملكا عضوضاً يتوارثه الأبناء عن الآباء.
3 ـ قيام بعض أعداء الإسلام بتجنيد الجواسيس والعملاء لتمزيق الأمة وإضعافها، فينفذون من خلال أهم قضية إسلامية ألا وهي القضية المهدوية مستغلين عواطف العامة واندفاعهم، لتحقيق مآربهم الدنيئة، في التشكيك بمصداقية الدين الإسلامي وأحقيته على جميع الأديان السابقة باعتباره الناسخ لجميع الشرائع السماوية السابقة. وخاصة أن المهدي الموعود يمثل الخطر الحقيقي الذي يهدد عروش الكافرين والمجتث لأصول الظالمين.
وهذه الدوافع تكاد تكون الأكثر وضوحاً على مر التاريخ وهناك الكثير غيرها.
ثم لابد لنا من طرح سؤالٍ آخر أكثر أهمية مما سبق وهو: لماذا يحصل الانحراف عن القضية المهدوية؟
نحن نعتقد أن جملة من العوامل الفردية والجماعية تتشاطر بيان سبب حصول هذا الإنحراف فهناك عوامل على مستوى الفرد الواحد والتي تدخل ضمن المستوى الديني والثقافي والعلمي لهذا الشخص أو ذاك، ومنها عوامل بمستوى الجماعة والأمة وهي تتأثر تأثرا كبيراً بالظروف الداخلية والخارجية التي تعصف بالأمة أو الجماعة فتجعل البعض يتهاوى أو يسقط في منتصف الطريق ويقف البعض الآخر شامخا لإكمال الطريق. ولعل ابرز هذه العوامل ما يأتي:
1 ـ قلة الوعي الديني والثقافي لدى أبناء الأمة نتيجة الجهل بحقيقة القضية المهدوية وأبعادها التاريخية الماضوية والمستقبلية. إذ أن الفرد المسلم لابد له من المواظبة على التعلم وطلب العلم والبحث عن الجذور الحقيقية للقضية المهدوية، والتمسك بالإسلام الحقيقي المحمدي الأصيل الذي غرسه فينا وبينه لنا آل البيت عليهم السلام، من خلال الروايات الصحيحة الواردة عنهم عليهم السلام، وخاصة ما يروى عنهم في الشأن المهدوي.
2 ـ الفقر والكوارث والنكبات والظروف الصعبة التي تمر بها الأمة خلال فترة الغيبة الكبرى للإمام المهدي¨، والتي جعلت البعض يتخبط في مسيره نتيجة قلة الناصر والظلم والاضطهاد من قبل حكام الجور، وخاصة ما يحصل للطائفة الاثني عشرية المغلوبة على أمرها، إذ أنها ما إن تخرج من محنة حتى تدخل في أخرى أشد منها.
3 ـ المؤامرات والدسائس الصليبية التي تحاك ضد الإسلام والمسلمين والتي تنهش في جسد الأمة وتنخر في هيكلها العظمي المتآكل نتيجة الحروب الخاسرة التي أفقرت الشعوب الإسلامية وأورثتها الذل والهوان، خاصة مع وجود حكام الجور والفسوق من عملاء الغرب الجاثمين على صدور شعوبهم. مثلا: (كان للسفارة البريطانية أكبر الدعم للفرقة البابية ـ ومكثوا هناك (في إيران) عشر سنين وأخذوا شيئاً فشيئاً يبتدعون الأحكام كبقية الفرق المنحرفة إلا أن السلطات اضطرت إلى إبعادهم إلى جزيرة قبرص وهناك تنازع الأَخوان فانقسمت البابية إلى الأزلية والبهائية، ثم إنهما انتقلا إلى فلسطين، وأخذت الحكومة الإسرائيلية والبريطانية في دعم البهائية ونشر دعوتها بإنشاء مراكز في إيران وأوروبا، حتى راج لها أتباع، وتصدى علماء الشيعة في إيران أمامهم بقوة واستنفار شديد فتوقف المدّ المنتشر للبهائية).
4 ـ حب الدنيا وطمع البعض فيها مما يدفعهم إلى الإحتيال على العامة لجمع الثروة، وبسط السيطرة والنفوذ على المستضعفين والفقراء الذين يبحثون عن أمل يتمسكون به للحياة فهم بسبب الظلم السائد في المجتمع كالغريق الذي يتشبث بالقشة عند غرقه من أجل الخلاص.
إذن ما هو السبيل للتخلص من هذه المشكلة التي تظهر بين فترة وأخرى؟
بطبيعة الحال إن هذه الأمور كما قلنا ليست غريبة عن الأمة بل هي من الأمور التي ذكرها لنا النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وآل بيته الأطهار وحذروا منها مراراً وتكراراً، فقد حذر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من افتراق الأمة وتشتتها، قال صلى الله عليه وآله وسلم: (ستفترق أمتي بعدي على ثلاث وسبعين فرقة، يهلك اثنان وسبعون فرقة وتنجو فرقة واحدة). وجاء في كتاب الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام انه قال لرأس اليهود على كم افترقتم؟ قال: كذا وكذا فرقة.
فقال عليه السلام: كذبت ثم اقبل على الناس فقال:والله لو ثنيت لي الوسادة لقضيت بين أهل التوراة بتوراتهم وبين أهل الإنجيل بإنجيلهم وبين أهل الزبور بزبورهم وبين أهل القرآن بقرآنهم.
إفترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، سبعون منها في النار وواحدة ناجية في الجنة، وهي التي اتبعت يوشع بن نون وصي موسى عليه السلام. وافترقت النصارى اثنتين وسبعين فرقة، إحدى وسبعون فرقة في النار وواحدة في الجنة وهي التي اتبعت شمعون الصفا وصي عيسى عليه السلام. وتفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، اثنتان وسبعون فرقة في النار وواحدة في الجنة، وهي التي اتبعت وصي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وضرب بيده على صدره ثم قال: ثلاث عشرة فرقة من الثلاث والسبعين فرقة كلها تنتحل مودتي وحبي، واحدة منها في الجنة وهي النمط الأوسط واثنتا عشرة في النار>.
فضلال البعض عن جادة الحق وانحرافهم عن طريق أهل البيت عليهم السلام ليس غريباً أو أمراً طارئاً بل هو أمر اعتدنا على رؤيته في كل زمان و مكان إذ لابد من الابتلاء كي يمحص المؤمنون، ولكن لابد للمسلم إن يقي نفسه من هكذا أمور وابتلاءات قد تؤدي إلى الضياع والحياد عن جادة الحق ويحصل هذا الأمر من خلال:
1 ـ إتباع علمائنا الأعلام ومراجعنا العظام، خاصة في زمن الغيبة الكبرى فان السير خلفهم منجاة للمسلم من الهلكة.
2 ـ الوعي الديني والحرص على طلب الحقيقة والثبات على الولاية لأهل البيت عليهم السلام يورد المؤمن طريق النجاة والسلامة، ويجنب الأمة التمزق والفرقة.
3 ـ النأي عن أي جدال أو خصام يؤدي إلى التباغض بين المسلمين ويورث الكراهة بينهم، والحفاظ دائماً وأبداً على وحدة المسلمين والدفاع عن أمنهم وسلامتهم من أي خطر يحدق بهم.
4 ـ كذلك الفهم الحقيقي لقضية الإمام المهدي المنتظر¨، والقيام بالواجبات الشرعية تجاه الإمام أرواحنا له الفداء، من خلال الدعاء له بالحفظ وتعجيل الفرج والنصرة له قولاً وعملاً، فالإمام¨ محيط بنا علماً وغير مهمل أو ناسٍ لمراعاتنا كما جاء في التوقيع الشريف <فانا نحيط علما بأنبائكم، ولا يعزب عنا شيء من أخباركم..... إنا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء، واصطلمكم الأعداء>.كما انه يجب علينا التثقف بثقافة آل البيت عليهم السلام المهدوية من خلال الإطلاع على الأحاديث النبوية الشريفة والروايات الصحيحة في هذا المجال كي يكتسب المسلم الحصانة الذاتية تجاه أي تحرك يحاول استغلال القضية المهدوية لإغراض شخصية.
الهوامش:
--------------------------------------------------------------------------------
(1) من البحوث المشاركة في المؤتمر العلمي الأول في الإمام المهدي الذي عقده مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي عليه السلام في مدينة النجف الاشرف في 22/ تموز/ 2007م.
http://www.m-mahdi.com/forum/index.phpمنقول