قبلنا التحدي فحققنا الكثير.. وأمامنا المزيد
عالية آل فريد * - 16 / 3 / 2008م - 1:12 ص
على العكس من الانطباع السائد عن واقع المرأة السعودية في بلادنا، والذي يحشر المرأة بنظرة بليدة بين ثنائية الانفلات والانغلاق، سأتحدى هنا - واسمحوا لي بذلك يا سادة- بأن أثبت لكم في السطور القادمة، بأن واقعنا النسوي اليوم بات أكثر عنفوانا واصرارا وتحديا في إنتزاع الحقوق. وأن ما تحقق حتى اليوم بغير منة من أحد ليس بالشئ الهين وإنما دفعت المرأة أثمانه باهضة.
لقد فرضت تلك الثنائية سالفة الذكر على المرأة واقعا جعلها تعيش شكلا من أشكال التخبط والحيرة ما دفع لإستسلامها أو ابرازها كشخصية منهزمة وضعيفة. إن واقع التخلف المرير الذي ذاقت المرأة ويلاته ردحا من الزمن وعانت خلاله ماعانت من تهميش وإقصاء وظلم مورس تجاهها وحرمها من أبسط حقوقها، جعل منها ذلك رهينة للمزايدات الفكرية ما بين تيارات التشدد والتطرف من جهة و تيارات الإنحلال والتحرر من جهة اخرى. فالأولى أرادت أن تحولها إلى راهبة محاصرة بنظرات الشك والريبة، ترزح تحت ربقة الوصاية والتحكم في مصيرها، مكبلة في ذلك كل قدراتها وإمكاناتها وحبسها في قوقعة المنزل، فيما أرادت الأخرى استغلال إنوثتها وتجريدها من كامل إنسانيتها لتحولها الى سلعة دعائية رخيصة في وسائل الإعلام. وبين هذا وذاك ومع كثرة الجدالات والنقاشات الثقافية والفكرية والدعوات الصحوية والتنويرية حول وضع المرأة إكتملت دائرة التيه والحيرة والاربكاك.
غير أنه ومن رحم هذه المعاناة أصبحت المرأة السعودية اليوم أكثر قدرة وإصرارا على تغيير وتطويع هذا الواقع، و العمل على حل مشاكله و تطويره لما هو أفضل لحياتها ولصالح مجتمعها، ولأنها باتت تدرك قيمتها وإن حجم عطائها يسمو ويرتقي بمشاركتها وفعاليتها في المجتمع بإعتبارها جزء منه وعنصرا أساسيا في بناءه وتكوينه.
ولهذا بتنا نلحظ اليوم الكثير من الإضاءات المشرقة التي تنبئ بإفرازات إيجابية جديدة تحتم على المرأة إعادة النظر في شؤونها وعلى المهتمين والباحثين بواقع المرأة أخذها بعين الإعتبار..ولوضع الأمور في سياقها الطبيعي نقول بأن هذا التحول لم يأت إعتباطا أو مجرد صدفة، بل جاء
أولا كنتاج طبيعي لتعدد تيارات المجتمع الفكرية التي بدت إنطلاقتها منذ ستينات العهد الماضي والتي لازالت سائدة، وكان لها الدور الكبير في بلورة ثقافة المجتمع وصنع حراكه الإجتماعي بغض النظر عن – إختلافاتها – إذ لا يمكن إغفال دورها في تطوير الحركة الثقافية في البلاد.
ولعل ما يحسب لمركز الحوار الوطني من سمة بارزة وناصعة في هذا الصدد هو جمعه لهذه التيارات تحت قبة واحدة، مجسدا أحد أهم أهدافه والمتمثل في إنفتاح هذه التيارات على بعضها وخلق المعرفة والتواصل بينها. والأهم هنا أنه وبذات القدر الذي استفاد الرجل من هذا الانفتاح، كان له -وبقدر أكبر ربما- ذات الفائدة أيضا للمرأة.
ثانيا: حدث هذا التغير نتيجة لمجموعة من العوامل و المتغيرات السياسية والثقافية الهامة التي عصفت بالمنطقة و مر بها العالم في السنوات الأخيرة، ولأن العالم متغير فمجتمعنا جزء من هذا العالم يتأثر بالمتغيرات.
ثالثا: توسع رقعة العلم والتعلم والإنفتاح العالمي على مختلف المعارف الثقافية والتكنولوجية الحديثة، وإنطلاقة الثورة المعلوماتية التي قربت البعيد وعولمة الدول.
رابعا: تطور الفكر المعاصر على مستوى تقدم مؤشر الحريات في المنطقة العربية والإسلامية برمتها، والبث المباشر للأحداث العالمية على مستوى الإعلام المرئي والمسموع، وتناول بعض القضايا والإطروحات التي كانت محظورة في السابق كقضايا الدين والتعددية والحوار مع الآخر، ومواضيع الإصلاح و الديمقراطية وحقوق الإنسان، ومشاكل الأنظمة والقرارات السياسية كل ذلك كان له الإنعكاس والتأثير المباشر على أفراد المجتمع والمرأة جزءا من هذا المجتمع.
وحتى أفي بالتحدي الذي قطعته على نفسي آنفا، أقول بأن المراقب عن قرب لواقع المرأة اليوم يشهد نتيجة التغير الملحوظ الذي طرأ في نظرة المرأة لنفسها وقناعتها بدورها وإمكاناتها، ماذا فعلت وماذا صنعت على أرض الواقع، وينظر إلى التقدم والإنجاز الكبير الذي حققته على مختلف المستويات.
فالمرأة في بلادنا اليوم باتت أكثر جرأة وإستقلالية، وأكثر إصرارا على التقدم وتجاوز الصعاب، وأكثر قدرة على مواجهة التحدي وصنع القرار، بل هي ملكة قراراتها و بصورة مباشرة، بالذات فيما يرتبط بأوضاعها الخاصة وفي إختيار شريك حياتها، وفي مواصلة تعليمها وفي خروجها للعمل وفي علاقاتها الأسرية والعامة.
إن وضع المرأة اليوم وما حققته من إنجاز على مختلف المستويات جدير بالإهتمام وكفيل بالإحترام، فقد أثبتت جدارتها كأم راعية للأسرة ومربية للأجيال، ومعلمة، ومثقفة واعية، وطبيبة، ومديرة، ومحامية وخطيبة وداعية ورائدة في الإعلام والعمل الإجتماعي و التطوعي، وفي القيادة على مستوى البيت والمؤسسة، كما أثبتت دورها كمواطنة حريصة على خدمة ورفعة وطنها.
وبالرغم من نسب البطالة المتفاقمة بين صفوف النساء لا سيما المتعلمات منهن والحاصلات على شهادات جامعية والتي بلغت 21,7 %، إلا أن الإقبال على التحصيل العلمي والدراسات العليا يفوق الذكور بكثير، فالنساء يشكلن نحو 58 % من إجمالي الدارسات في مختلف الجامعات، ومن لم تتمكن منهن أو تعجز في توفير مقعد جامعي أو تخصصا ما يوافق طموحها داخل الوطن فإنها لم تتواني أو تتراجع في أن تلتحق بركب الجامعات لتواصل مسيرتها في الخارج ، متجاوزة في ذلك كل الصعاب والعراقيل العرفية والإجتماعية. ومع إنخفاض مشاركة المرأة في سوق العمل والتي لا تتعدى نسبتها 12،5 % من مجموع عدد السكان إذا ما قورنت بحجم سوق العمل وحاجاتها، إلا انها وصلت مع ذلك إلى مراحل متقدمة في السلم الوظيفي العام وإرتقت كمعلمة إلى مستوى رئيس جامعة على المرتبة الممتازة، وقيادية ناجحة في بعض الشركات والمؤسسات العامة وماهرة في ادارة المشاريع المتوسطة والصغيرة.
كما ونجحت في العمل الخاص، إذ يوجد الكثير من نسائنا ممن يمتلكن مؤسسات ومشاريع خدمية وتجارية متنوعة في التربية وفي التعليم و في التدريب والتأهيل، وفي التجميل والهندسة والديكور وغير ذلك، وبرزت المرأة كسيدة أعمال في بعض المواقع تدير بنفسها مؤسساتها الخاصة وتحقق من خلالها مستويات عالية في إدارة بعض المشاريع الإقتصادية والكبيرة، وحتى على المستوى الدولي والعالمي برغم ضعف وجود المرأة في المناصب القيادية العليا، إلا أننا نشهد تحسنا بطيئا جدا لم يحد من وصول المرأة ومشاركتها في حضور المؤتمرات السياسية والإقتصادية والثقافية داخل البلاد وخارجها.
وعلى المستوى الثقافي فقد تجلى دورا بارزا لظهور عمل المثقفات على صعيد الفكر والثقافة والفن والأدب والمسرح، وتألق دورهن في التأليف والكتابة والنشر، وتنوع حضورهن عن طريق الصالونات والمنتديات الثقافية المتنوعة، وأصبحن يمتلكن مساحة واسعة من الحضور والمشاركة في مختلف أرجاء ومناطق المملكة.
ولا يمكن أن نستثني دور المرأة في المؤسسة الدينية فقد إنتشرت الحوزات النسائية، وتوسعت حلقات الدرس الديني في بعض الإستراحات والبيوت الخاصة، وتعددت مدارس ومراكز ورياض تحفيظ القرآن الكريم وتعليم أسس ومبادئ الشريعة السمحاء للكبار والصغار والناشئة، وتضاعف عدد الخطيبات والموجهات المهتمات بتثقيف المرأة وتعليمها وتفقيهها في أمور الدين والحياة، وتزايد عدد المرافقات للنساء – كمرشدات – في حملات الحج والعمرة أو مشرفات في ميدان الحرم المكي والمدني.
وعلى صعيد العمل الإجتماعي والأسري، فقد شهدت السنوات الخمس الماضية تطورا متسارعا في مستوى الإقبال على مراكز التوعية و الإرشاد الأسري، نتيجة لكثرة المشاكل وزيادة حالات الطلاق ومشاكل الأبناء، دفع ذلك المرأة نحو الإجتهاد للبحث عن حلول للمشاكل والتحديات التي تواجهها، وترى بأنها تشكل خطرا على علاقتها الزوجية أوتهدد شخصيتها كفتاة وإمرأة تحتفظ بكرامتها، أو تهز كيانها الأسري، فقد تعددت مؤسسات الزواج، وانتشرت المراكز الأسرية المتخصصة، وأصبحت المرأة أقوى في الدفاع عن نفسها، وفي مطالبتها و التعبير والإعلان عن مشاكلها، وأخذت تتقدم في رفع الشكوى وتقديم البلاغ للجهات المختصة مطالبة بإنتصافها ونيل حقوقها، وإن كان ذلك يسيرا المهم أنها كسرت حاجز الصمت كي تعبر عن معاناتها وتوصل صوتها للعالم الخارجي، مما أعطى المجال لفتح المزيد من المراكز ولجان الرعاية وتفعيل دورها، وإقامة البرامج المناهضة للعنف الجسدي والجنسي والنفسي الموجه ضد النساء والأطفال، وبرامج لحماية المعرضين للعنف، ومؤسسات ولجان أهلية وحكومية تتبنى الدفاع عن حقوق الإنسان، وحقوق المرأة..
وفي مجال العمل والخدمة الإجتماعية برزت الكثير من سيدات المجتمع في العمل على تكريس مبدأ التواصل والتكافل الإجتماعي، عبر رعاية الفقراء والمحتاجين وكفالة الأيتام، ومساعدة الأسر الضعيفة والوقوف بجانبها وحمايتها، إضافة إلى النشاط المتنوع في الأعمال التطوعية من خلال الجمعيات الأهلية والرسمية كغسل الموتى، وزيارة المرضى، والتواصل مع دور رعاية المسنين والعجزة، والإهتمام بالمعوقين وذوي الإحتياجات الخاصة.
وإنطلاقا من هذا التحول بدأ المجتمع يستعيد تصحيح نظرته تجاه المرأة، ويثق بقدراتها وقوتها كإنسانة فرضت نفسها على الواقع بإرادتها.. ومن خلال هذه الومضات السريعة والموجزة بقي على المرأة اليوم أن تتحسس مطالبها وإحتياجاتها والتي أرى بأن أهمها مايلي: 1- تكريس الوعي والثقافة بالحقوق الإنسانية، وأن تعي المرأة حقوقها كمواطنة محترمة، وإنسانة منتجة لها حقوق وواجبات، وأن تدرك أهمية القوانين والأنظمة في حياتها وفي علاقتها مع الآخرين. كما يجب عليها أن تتعلم آلية الدفاع عن نفسها وكيفية توفير سبل الحماية لها عندما يقع عليها الظلم من زوجها عندما يسئ استخدام قوامته عليها وعندما يهينها او يضربها، أو عند طلاقها حين يحرمها من أبنائها، ويظلمها عندما يستولي على راتبها ومن أبيها عندما يعضلها عن الزواج ومن أخيها عندما يفرض وصايته عليها وهي بالغة راشدة، وعندما تتعرض للظلم عندما تفقد أمانها الوظيفي وتنهتهك حقوقها كموظفة، وتظلم نفسها وتظلم عندما تكن أمعة في فكرها وفي آرائها لغيرها، وتظلم عندما ينظر لها بدونية وعندما تعامل كإمرأة ناقصة الأهلية، وحتى تحرز المرأة اليوم تقدما يجب أن تتحرر من تبعيتها للرجل وعلى الرجل أن يساندها في تعزيز هذا الدور.
2- المرأة اليوم مؤهلة أن تصنع دورها كشريك في الحياة العامة وفي مختلف الوظائف السياسية والإدارية والعلمية والعقلية، لها دورها في المجتمع، ودورها في التنمية ودورها في مواقع القرار. لذلك لا بد من الجد لفرض هذا الدور، ولتعلم أن طريق الألف ميل يبدأ بخطوة، وإن المجتمع برغم تطور مستوى الوعي لديه لازال يتدرج في تقبل مشاركتها وفي نفس الوقت فإن غالبيته يثني على جهودها ويبارك خطواتها حتى لوكان ذلك على إستحياء فلا يمكن أن نتجاهل أثر العادات والتقاليد، والمفاهيم الدينية الخاطئة، والموروثات الإجتماعية والأعراف التي لازالت لها حكميتها وإن بدت تتحلل، الا أن ذلك رهين بيد المرأة نفسها لأن تعزز ثقتها بذاتها وبعلمها ووعيها وعملها لصياغة واقعها من جديد.
3- المرأة والرجل شركاء في الوطن، بمعنى أنه لا غنى للمرأة عن الرجل والرجل لا غنى له عن المرأة والعلاقة بينهما علاقة تكاملية مشتركة هدفها البناء والإعمار والتنمية وتحقيق التكريم الإلهي للإنسان على هذه الأرض، ومطالبتنا يجب أن تكون عامة بحقوق الإنسان ككل، ومطالبتنا بحقوق المرأة السعودية لايعني ضدية تجاه الرجل أو تحدي له او منافسته بل مشاركة حقيقية لتنمية وبناء الوطن، كما أن الحقوق تؤخذ كاملة لامجزأة، مع إحترامي لكافة الجهود والمبادرات النشطة.
4- المطلوب من سيدات المجتمع ومن الناشطات ومختلف الفعاليات النسائية في الوطن الإنفتاح والتعارف، والإلتفاف و التعاون حول القواسم الوطنية المشتركة، وذلك للعمل على أخذ خطوات جماعية جادة وإعداد خطط عملية مدروسة للمرحلة القادمة، والعمل على تحفيز المشاريع النسوية وإنشاء مؤسسات المجتمع المدني التي تهتم بمستقبل المرأة.
5- حاجة المرأة الملحة لحفظ كرامتها، إذ يجب عليها المطالبة بفرض القانون وسن وتطوير قوانين جديدة خاصة بها وبأسرتها، وإيجاد نظام الأحوال الشخصية كفيل بحمايتها من التعرض للظلم.
6- أن يعي الناشطون الاجتماعيون والقائمون على المؤسسات الحقوقية، والذي يدخل ضمن صميم عملهم النهوض بالمرأة، بأنهم قد يصبحوا هم أنفسهم أحد معوقات هذا النهوض نتيجة لسوء الادارة، والتمييز المقنّع أحيانا والمكشوف أحيانا أخرى بحق المرأة العاملة ضمن ذات المؤسسات الحقوقية فضلا عن خارجها! وهذه نقطة جديرة بالتأمل والوقوف عندها مطولا ولربما إحتاجت مقالة مستقلة.
أتمنى أن يكون يوم المرأة العالمي يوم، إنطلاقة للمرأة المسلمة لتمكينها وتعزيز دورها على مستوى نهضة الأمم وتقدم الشعوب وتنمية الأوطان وبناء حضارة الإنسان السامية، وأن يكون للمرأة السعودية خاصة عام توديع لمختلف صنوف المعاناة والمشاكل بمختلف أنواعها ثقافية وإجتماعية وإقتصادية، تستعيد فيه وضعها، وتزيل فيه عن نفسها تراكمات الماضي مدركة قيمتها الإنسانية واعية بدورها، وما منحته لها الشريعة الإسلامية الغراء، شريعة العدل والكرامة من قيمة ووزن وإعتبار، وأهلية قانونية تبني بها الحياة وتعمر بها الأرض بإقامة حضارة الإسلام الراقية.